علاوة على المحنة الاوكرانية يدير الرئيس الروسى فلاديمير بوتين حرب استنزاف مع مضاربى العملة، وأدى انعدام الثقة فى الاقتصاد الروسى إلى هروب رأس المال بسبب سعى بعض المستثمرين للحد من خسائر أصول الروبل فى الوقت الذى يراهن آخرون على استمرار تراجع العملة. وتتراوح خيارات الرئيس الروسي فى المعركة بين التراجع الاستراتيجى أى السماح بخفض قيمة العملة لرفع أسعار الفائدة، وبيع العملات الأجنبية لفرض الرقابة على تدفقات رأس المال الخارجة. وتقترب خيارات بوتين من النفاد حيث انخفضت بالفعل قيمة الروبل الروسي بأكثر مما يبدو مبرراً حتى من قبل أصحاب وجهة النظر المتشائمة حيال أسس الاقتصاد الروسي. وفى الأسبوع الماضى رفع البنك المركزي الروسي أسعار الفائدة إلى %17، وهو المستوى الذى من المرجح أن يكون هزيمة ذاتية بسبب التكاليف الاقتصادية التى ستفرض زيادات أخرى، وفى النهاية أشار بوتين، إلى أن الاحتياطيات الأجنبية الدولية للبلاد، التى لا تزال عند مستويات مريحة لا ينبغى استنزافها عبر التدخل فى السوق لدعم العملة الوطنية. وبذلك يدير بوتين ظهره لاستخدام ضوابط رأس المال ويدفعنا للتساؤل هل يمكن لهذه الضوابط أن تعمل لصالح روسيا؟ وماذا يمكننا أن نتعلم من الخبرة الدولية فى استخدام ضوابط رأس المال فى أزمات العملة؟ وتسمح ضوابط رأس المال للسلطات بتضييق الخناق لوضع سياسات تعمل على تنشيط الاقتصاد المحلى أو على الأقل تحد من الضرر الواقع عليه. ولكن تترك هذه الضوابط أيضا مجالاً لتراخى السياسات أو خلق سياسات سيئة وفى كلتا الحالتين، تتقلص المهلة التى تقدمها الضوابط مع مرور الوقت ويتعلم المستثمرون سبل التحايل عليها. وينطبق هذا بشكل خاص على روسيا، حيث إن المحاولات السابقة لوقف هروب رأس المال على سبيل المثال، بعد الأزمة المالية عام 1998 سرعان ما تم التحايل عليها ببراعة كبيرة ومن الضرورى أن تستخدم السلطات أسلوب تضييق الخناق عبر هذه التدابير لإنشاء مسار سياسة ذات مصداقية يجعل المستثمرين على استعداد للعودة والبقاء. وأوضح جوزيف كوتريل، الكاتب فى صحيفة الفاينانشيال أن روسيا رفعت أسعار الفائدة فى السابع عشر من العام الجارى فى محاولة لوقف أزمة عملتها ولكن ارتفاع المعدلات يتسبب فى خلق أزمات الائتمان والركود. وعلى سبيل المثال كثيراً ما يتم الاستشهاد بالاستخدام الناجح لضوابط ماليزيا عام 1998 ففى هذا العام شعر المشاركون فى السوق بالقلق من الاراء المعادية ووجهات النظر الاقتصادية غير التقليدية التى يقدمها مهاتير محمد، رئيس الوزراء فى ذلك الوقت حيث حظرت السلطات التداول فى الخارج واستردت الاستثمارات المملوكة للأجانب وفى الوقت نفسه اعادت جميع الأصول المقومة بالرينجت فى الخارج إلى السوق الوطني. كانت هذه التدابير كبيرة وفعالة فى خنق المضاربة مقابل العملة لكنها كانت أيضا مؤقتة، وجرى تخفيف الضوابط تدريجياً مع تحسن الاقتصاد، وتم السماح للدولة بالعودة إلى سوق السندات الدولى عام 1999، وكان واضحاً للسلطات والمشاركين فى السوق أن ماليزيا، لديها الكثير لتفتقده فى حال أدارت ظهرها للتكامل المالى الدولى نظراً لاعتمادها على الاستثمار الأجنبى المباشر وسوق الأسهم. وهناك أيضا أدلة على أن التحكم فى تدفقات رأس المال غالباً ما يكون غير فعال حيث وجدت دراسة صندوق النقد الدولى الأخيرة التى تبحث فى فعالية قيود تدفق رأس المال للخارج فى 37 دولة أن الاقتصادات الناشئة فشلت فى أغلب الأحيان فى وضع الضوابط للحد من صافى تدفقات رأس المال الخارجة لأنها لم تكن مصحوبة بتعديلات سياسية ذات مصداقية. وعلاوة على ذلك، فى بعض الحالات اتخذت الضوابط طابعاً أكثر استدامة وشهدت التحول إلى انظمة سياسية مع ارتفاع معدلات التضخم وهروب رؤوس الأموال المزمنة وتعد الأرجنتين منذ عام 2002 وفنزويلا منذ عام 2003 مثالاً على ذلك. ويتمثل الدرس الرئيسى من التجربة الدولية فى أن الضوابط على تدفقات رأس المال للخارج يمكن أن تؤتى أكلها ولكن فقط إذا كانت مرتبطة بخطة سياسية ذات مصداقية مع معالجة السبب الكامن وراء أزمة الثقة. وفى حالة روسيا تحتاج الخطة إلى عنصرين، ذاتا صلة بأكبر المشكلات التى تواجه الاقتصاد ويتمثل العنصر الأول فى خطة واضحة لضبط الفترة الطويلة من انخفاض أسعار البترول والثانى الإجراءات التى من شأنها أن تسمح للقوى الغربية لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة بعد تدخل روسيا فى أوكرانيا.